و من ثم أقفرت أبو قير ،و تغير الحال رويداً ،وتقاطر المصيفون ،و انتقل إلي الاسكندرية ليهيم علي وجهه دون مبالاة ، ومرة وجد نفسه أمام جامع أبي العباس فدخل ، صلي ركعتين تحية للمسجد ثم جلس موليا وجهه نحو الجدار ، كان يعاني حزنا جليلاً و يأساً رائعاً ، و ناجي ربه همساً : ((لا يمكن أن يرضيك ما حصل لي و ما لا يحصل في كل مكان ، صغيرةو جميلة وشريرة..أيرضيك هذا ؟ و أبنائي أين هم ...أيرضيك هذا ؟! و أشعر و أنا بين الملايين بوحدة قاتلة...أيرضيك هذا ؟!!)) و أجهش في البكاء ، و لما أخذ يبتعد عن الجامع فاجأه صوت ينادي ((عم إبراهيم )) فالتفت مندهشاً بلا إرادة فرأي جباراً يتقدم منه في ظفر و تشفي فأدرك من منظره أنه مخبر فتوقف مستسلماً ، قبض الرجل علي منكبيه و هو يقول : -أتعبتنا في البحث عنك ...الله يتعبك و لما وجده -وهو يقوده أمامه- مستسلماً محمر العينين قال : -تقدر تقولي ماذا دفعك إلي تلك الفعلة و أنت في هذا العمر ؟ -الله..... ندت عنه كالتنهدة
دنيا الله-نجيب محفوظ
|
0 Comments:
Post a Comment
<< Home