Thursday, November 03, 2005

أموت فطيساً


- لا..لا..لست وحيداً بهذا المعني .. إن لي أقارب و أصدقاء ومعارف وسوف يحزنون من أجلي.
كذلك إذن كان يحاول قائلا لنفسه بصوت مسموع :
- إن الحياة إرادة، لو انتصرت إرادة الموت في الإنسان مات فهل أموت هكذا فطيساً لأن إرادة الحياة عندي ترغب في أن تنهزم ؟ لا..لا..إنني أعيش و لا بد أن أعيش لعشر سنوات أخري علي أقل تقدير.
كان برغم كل محاولاته في الإستمرار يكابد شعورا كأنه اليقين بالوحدة وكانت وحدته هي آفته التي توشك علي تدمير رغبة الحياة فيه . كان يسأل نفسه : لمن أعيش ؟ و كان يسترجع تاريخه الطويل في هذه المدينة ويصر علي أنه لم يقصر أو يتقاعس في بذل نفسه لها لكنها لم تفهمه ،فألقت به في وحدته كأية نفاية متخلفة بلا ثمن . تسلل السأم و المرار إلي نفسه و راحت أحلامه القديمة في أن يقول للناس شعراً.
و حتي أصحابه ممن يدورون في المدار نفسه لم يصبح من اليسير أن يجد في حواره معهم حلاً له أو لهم , لقاءات المقاهي المعادة ، و نفس الثرثرات و الحماسات الفورية و الوشايات الصغيرة و الضحكات الهستيرية و السخرية من كل شيء و كل إنسان ، يقودها ((أراجوز)) المقهي المعروف لكل جماعة ، يقول لنفسه عن أراجوز المقهي :هذا الولد ظاهرة لا تتكرر في أي عصر إلا عصرنا و مدينتنا ووسطنا ، لا أدري كيف فرض نفسه علي الخلق في المقهي و لحساب من يطرد من يعجز عن مجاراته في الطنطنة السخيفة المعادة و الضحك الأبله المحموم ، إنه وحيد هو الآخر لكن لا تبدو علي تقاطيعه للحظة أنه مهموم بشيء.

هكذا كان يطوف بدماغه في أنحاء المدينة علي حين هو وحيد ، يدخل الحانات و ينضغط في المواصلات و يقابل رئيسه في العمل و يعود دائما إلي المقهي ، نفس المقهي ، المقهي الذي أحبط أحلاماً ربما كانت تفوق أحلامه أو تقل عنها لكنها أحبطت ، المقهي الذي استنفد أعماراً ، و علي مقاعده ضاعت سنوات الشباب و أزمنة الفعل و القدرة ، ما تبقي غير نفايات و بقايا من أمثاله يحلقون حول زجاجات البيرة أو يضحكون علي سخافات أراجوزهم الذي لن يتكرر إلا في بلد كهذا أو مرحلة كهذه ،ولد ظاهرة متفردة و لا يدري لحساب من يعمل و يضيع سنوات عمره و أعمار الآخرين.

عندما أغفي رأي نفسه وحيداً في صحراء مقبضة لا حد لها و لا نهاية ، تلال و هضاب و ساحات رحبة و جبال شاهقة ، و سراديب معتمة كلها محض رمال، رمال ، رمال من كل الأنواع و الأحجام ، مجرد رمال و رياح مسعورة تدمدم من كل الجهات تحمل ذرات الرمال الدقيقة و تصفعه....
(أردت نقل المزيد و لكن رأيت أن بذلك لن تُسمي مقتطف)

قصة الجفاف -(مجموعة النبش في الدماغ) أحمد الشيخ

1 Comments:

Blogger Gestion de flotte said...

Salam
Pour le but de rassembler le max d'adresse des bloggeurs"Carnet d'adresse", priere de remplir une tite fiche sur blog Merci!

www.islamkarim.blogspot.com

4:49 AM  

Post a Comment

<< Home