Thursday, February 16, 2006

لقد فوجيء ريو -كما فوجيء مواطنونا - بهذا الوباء ، و علي هذا النحو ينبغي لنا أن نفسر تردده ، و علي هذا النحو أيضاً يجب أن نفهم أنه كان موزعاً بين القلق و اليقين ، فعندما تندلع نيران الحرب يقول الناس : إنها لن تطول ، لأن إستمرارها ينم عن أشد الغباء ، فالواقع أنه لاشيء أشد غباءً من الحرب ، و لكن هذا لا يمنع من أن يطول أمدها ، إذ الغباء من شأنه المثابرة ، و يمكن أن نلمس ذلك بوضوح إذا ما صرفنا النظر قليلاً عن حصر تفكيرنا في أنفسنا ، و إذن فقد كان مواطنونا في هذا الصدد كغيرهم من الناس ، كان تفكيرهم محصوراً في أنفسهم، و بعبارة أخري كانوا عريقين في الإنسانية ، أي لا يعتقدون في الأوبئة ، فالوباء أكبر من الإنسان ، و لذا يميل الناس إلي الإعتقاد بأنه ليس من أمور الواقع ، و بأن المسألة لا تتعدي حلماً مزعجا لا يلبث أن ينتهي ، و لكن الحلم لا ينقضي في كل الأحيان ، ثم تتتابع الأحلام المزعجة بعضها في إثر بعض ، حتي ينقض الناس أنفسهم فيها - و في مقدمتهم أصحاب الفلسفة الإنسانية - لأنهم لم يتخذوا للأمر حيطته ، فمواطنونا لم يكونوا أشد من غيرهم وزراً ، كل ما في الأمر أنهم نسوا أن يتواضعوا ، و أنهم ظنوا أن كل شيء لا يزال ممكناً بالنسبة لهم ، و معني هذا أن الأوبئة غير ممكنة الحدوث ، فاستمروا في عقد الصفقات ، و في إعداد الرحلات ، و في إعتناق الآراء . كيف يمكنهم إذن أن يفكروا في الطاعون الذي يقضي علي المستقبل و الأسفار و المناقشات ؟ كانوا يظنون أنفسهم أحراراً ، و لكن لا وجود للأحرار ما دام للأوبئة وجود
الطاعون -ألبير كامو

1 Comments:

Blogger mindonna said...

شكرا كرونوليا ;)

8:12 AM  

Post a Comment

<< Home