Saturday, August 26, 2006

رجل من غمار الموالي

أنا رجل من غمار الموالي ، فقير الأرومة و المنبت
فلا حسبي ينتمي للسماء ، و لا رفعتني لها ثروتي
ولدت كآلاف من يولدون ، بآلاف أيام هذا الوجود
لأن فقيراً ـ بذات مساء ـ سعي نحو حضن فقيرة
و أطفأ فيه مرارة أيامه القاسية
نموت كآلاف من يكبرون ، حين يقاتون خبز الشموس
و يسقون ماء المطر
و تلقاهم صبية يافعين حزاني علي الطرقات الحزينة
فتعجب كيف نموا و استطالوا ، و شبت خطاهم
و هذي الحياة ضنينه
تسكعت في طرقات الحياة ، دخلت سراديبها الموحشات
حجبت بكفي لهيب الظهيرة في الفلوات
و أشعلت عيني ، دليلي ، أنيسي في الظلمات
و ذوبت عقلي ، و زيت المصابيح ، شمس النهار علي صفحات الكتب
لهثت وراء العلوم سنين ، ككلب يشم روائح صيد
فيتبعها ، ثم يحتال حتي ينال سبيلا إليها ، فيركض
ينقض
فلم يسعد العلم قلبي ، بل زادني حيرة راجفة
بكيت لها و ارتجفت
و أحسست أني ضئيل كقطرة طل
كحبة رمل
و منكسر تعس ، خائف مرتعد
فعلمي ما قادني للمعرفة
و هبني عرفت تضاريس هذا الوجود
مدائنه و قراه
ووديانه و ذراه
و تاريخ أملاكه الأقدمين
و آثار أملاكه المحدثين
فكيف بعرفان سر الوجود ، و مقصدي مبتدأ أمره ، منتهاه
لكي يرفع الخوف عني ، خوف المنون ، و خوف الحياة ، و خوف القدر
لكي أطمئن
سألت الشيوخ ، فقيل
تقرب إلي الله ، صل ليرفع عنك الضلال ..صل لتسعد
و كنت نسيت الصلاة ، فصليت لله رب المنون
و رب الحياة و القدر
و كان هواء المخافة يصفر في أعظمي و يئز
كريح الفلا ... و أنا ساجد راكع أتعبد
فأدركت أني أعبد خوفي ، لا الله
كنت به مشركا لا موحدا
و كان إلهي خوفي
و صليت أطمع في جنته
ليختال في مقلتي خيال القصور ذوات القباب
و أسمع وسوسة الحلي ، همس حرير الثياب
أني أبيع صلاتي إلي الله
فلو أتقنت صنعة الصلوات لزاد الثمن
و كنت به مشركا ، لا موحدا
و كان إلهي الطمع
و حير قلبي سؤال
تري قدر الشرك للكائنات
و إلا ، فكيف اصلي له وحده
و أخلي فؤادي مما عداه
لكي أنزع الخوف عن خاطري
لكي أطمئن
.........
مأساة الحلاج ـ صلاح عبد الصبور

2 Comments:

Blogger ^ H@fSS@^ said...

جميلة جدا
يا ريت لو عندك حاجات تانية لعبدالصبور تبقي تنشرها
دخت اني الاقيله حاجة و مش لاقية
ارجو اني مكونش زودت عليك و شكرا

11:33 PM  
Blogger mindonna said...

كتبت مقتطفات لصلاح عبد الصبور تلات مرات يا حافصة
و كنت كتبت له قصيدة يوميات مواطن مجهول كاملة ف المدونة القديمة
هبقي اكتبله حاجات تانية
شكرا يا حافصة :)

10:48 AM  

Post a Comment

<< Home