Thursday, April 27, 2006

السأم

و إنني إذ أبلغ هذا ، أفكر بأنه ربما كان من المستحسن أن أقول بعض كلمات عن السأم ، هذا الشعور الذي سيتفق لي أن أتحدث عنه غالباً خلال هذه الصفحات . فأنا أذكر ، بقدر ما تسعفني ذاكرتي في الإرتداد عبر السنين ، أنني تألمت دائما من السأم . و لكن يجب أن نتفاهم علي معني هذه الكلمة . فهي تعني ، بالنسبة لكثير من الناس ، عكس التسلية ، و التسلية هي الشرود ، و النسيان ، و لكن السأم بالنسبة لي ، ليس عكس التسلية ، بل يمكنني القول إنه ، في بعض مظاهره ، يشبه التسلية بما يخلّفه من شرود و نسيان ينتميان طبعاً إلي فئة خاصة جدا . إن السأم في نظري هو حقاً نوع من النقص أو عدم التلاؤم أو غياب حسّ الواقع . و أعمد هنا إلي تشبيه فأقول : إن حس الواقع ، حين يتملكني السأم ، يحدث لدي ما يحدثه بالنسبة للنائم غطاء قصير أكثر مما ينبغي ، في ليلة شتوية : فإذا سحبه علي قدميه ، أصيب بالبرد في صدره ، و إذا رفعه إلي صدره ، أصيب بالبرد في قدميه ، فهو لهذا لا يستطيع أبداً أن ينام قرير العين
*********
و حين كنت صبياً خاصة ، كأن السأم يتكلف أشكالاً غامضة تماماً بالنسبة لي و للآخرين ، أشكالاً كنت غير قادر علي شرحها ، و كان الآخرون ، أمي مثلاً ، يعزونها إلي اضطرابات في الصحة أو إلي أسباب مماثلة ، و ذلك شبيه بعض الشيء بالمزاج السيء لبعض الأطفال الذي يُعزي إلي نمو أسنانهم . و في تلك الأعوام ، كان يحدث لي أن أكفّ فجأة عن اللعب و أبقي ساعات كاملة جامداً ، كما لو أنني خدر ، و أنا في الواقع مرهق باستياء كان يوحيه لي ما أسميه ذبول الأشياء ، أي الشعور الغامض بأنه لم يكن ثمة بيني و بين الأشياء أية علاقة . فإذا دخلت أمي الغرفة في تلك اللحظات ، فرأتني أبكم جامداً و ممتقعاً من الألم ، و سألتني عما أشكوه ، كنت أجيبها جواباً لا يتغيّر : (( إنني سئم )) شارحاً علي هذا النحو، بكلمة ذات معني واضح و محدود ، حالة نفسية واسعة و غامضة
و إذ ذالك كانت أمي تحمل تأكيدي علي محمل الجد ، فتنحني لتقبلني ، ثم تعدني بأن تصحبني إلي السينما بعد الظهر ، أي انها كانت تعرض عليّ تسلية لم تكن عكس السأم و لا علاجه ، و كنت من ذلك علي يقين تام . و فيما كنت أتظاهر بتقبل هذا الإقتراح في فرح ، لم أكن أستطيع الإمتناع عن الشعور بهذا الإحساس نفسه من السأم الذي كانت أمي تسعي إلي طرده إذ تضع شفتيها علي جبيني ، و تحيط كتفيّ بذراعيها ، كما تسعي إلي طرده بالسينما التي كانت تلوّح بها أمام عيني كالسراب . و الواقع أنه لم يكن لي في تلك اللحظة أية علاقة بشفتيها و ذراعيها و السينما . و لكن كيف كان لي أن أشرح لأمي أن شعور السأم الذي أعانية لا يمكن أن يخفف بأية طريقة ؟ لقد سبق أن لاحظت أن السأم يثوي بصورة خاصة في عدم التواصل . و إذ كنت عاجزاً عن التواصل مع أمي التي كنت مفصولاً عنها كما كنت مفصولا عن أي شيء آخر ، فقد كنت محمولا علي نحو ما أن أقبل سوء التفاهم هذا ، و أن أكذب عليها
**********
ـ و لكن الفن يحقق شروداً و ذهولاً لمن يتعاطاه . كان باليستاري يتلهّي و أنت تتلهي . أما الدين ، فهو علي العكس مضجر . و في الدير ، كنت أحسّ دائماً بأن الراهبات كنّ ضجرات ، كما كان الرهبان ضجرين ، و علي العموم ، جميع الذين يهتمون بالدين . و في الكنائس ، كم يسأم الناس ! أنظر إليهم حين يكونون في الكنيسة ، فستري أن ليس فيهم من لا يسأم حتي الموت !
و كانت هي المرة الأولي التي تحدثني فيها سيسيليا عن السأم ، و لم أتمالك عن سؤالها
ـ و لكنك تسأمين ؟
ـ نعم ، أحياناً
ـ و بم تشعرين حين تسأمين ؟
ـ أشعر بالسأم
ـ و لكن ما هو السأم في نظرك ؟
ـ كيف لي أن أشرح لك السأم ؟ السأم ، هو السأم
و كان بودي أن أقول لها : (( السأم هو انقطاع كل صلة ، و إذا كنت أريد أن أتزوجك ، فلكي تسأميني ، لكي لا أتألم بعد ، لكي لا أحبك بعد ، و بالإجمال ، لكي أعتبرك غير موجودة بعد ، كما أن الدين غير موجود في نظرك ، و كذلك كثير من الأمور الأخري )) و لكني لم أجرؤ علي ذلك
السأم ـ ألبرتو مورافيا

4 Comments:

Anonymous Anonymous said...

موضوع جميل و ثرى
و بيتكلم عن حالة شائعة بس ماحدش واخد باله منها و لا بيتكلم عنها
اختياراتك دايما بتدل حساسيتك العالية و يا ميندونا

5:25 AM  
Blogger mindonna said...

شكرا يا جميل ، نورتي البلوج
:)
رواية السأم من الروايات المحفورة ف دماغي برغم انها مكانتش مؤثرة بالنسبة لي
زي الدبانة اللي بتلح عليكي

12:18 PM  
Anonymous Anonymous said...

Your are Excellent. And so is your site! Keep up the good work. Bookmarked.
»

10:20 PM  
Anonymous Anonymous said...

Keep up the good work Baganik do renault thalia alize 3 Free gallery giga lesbian mature movie porn Tommy pamela anderson Eye laser surgery canada wheel chairs acsessories Nature milfs http://www.home-equity-loans-4.info/interest-only-loans-florida.html washer dryer combination and dishwasher space Mellisa doll hardcore lesbianas busqueda Body building overtraining air tran credit card India hardcore wmv Bondage fetish gangbang group sex

4:44 AM  

Post a Comment

<< Home