Tuesday, March 18, 2008

مبرمجون ولكن مغفلون

هذا المقال الخطير نشر في مجلة بي سي ماجازين الطبعة العربية، رأيت أن أنقله لكم هنا.

مبرمجون ... لكنهم مغفلون

بقلم: عبدالله عادل الشويخ

فاجأني أحد موظفي تقنية المعلومات في مكتبي متوسلاً التوسط لدى مديره لإعادته إلى العمل، وعندما سألته عن سبب طرده أصلاً، فاجأني مرة أخرى بأنه لم يطرد على نمط موظفي ميكروسوفت (Michel you are fired)، الذي اعتدنا رؤيته على شاشات السينما، بل هو من ألقى باستقالته في وجه مديره بعد أن تلقى عرضاً لا يمكن رده من إحدى الشركات الكبرى ...
ككل من يدعي بأنه صديق قديم للأشجار والبيئة، وأنه أصبح يعتمد كلياً على ما تقدمه الشبكة العنكبوتية لزبائنها من خدمات إلكترونية تريحهم من رائحة الأوراق المهترئة ومذاق الحبر المعتق وتلوث آلات التصوير، تقدم صديقي آنف الذكر بطلب توظيف إلى إحدى أشهر بوابات التوظيف الإلكترونية مجرباً هذه الميزة، فهو ممن اعتاد منذ دهر أن يفعل كل شيء، من اختيار شريكة حياته وزفافه إلى شراء ولاعة سجائره مروراً بضرورات الحياة ما بينها عن طريق إنترنت. وفعلا لم يخب ظنه فخلال شهرين من تقديم طلبه تلقى بريداً إلكترونياً من شركة "توتال"، وهي الشركة الفرنسية العريقة للمشتقات البترولية، ومن الشركات العابرة للقارات، التي يمكن لمن يحب الاستقرار أن يكون موظفاً صغيراً فيها خير من مدير في شركة إقليمية، والتي يحتوي قسم تقنية المعلومات في أحد فروعها الإقليمية على عدد من المبرمجين يزيد على العدد الذي تمتلكه كبرى شركات البرمجة العربية. وفي .... فرعها الرئيسي... كانت ميزات عرض العمل الواصل من بريد الشركة الرسمي مناسبة جداً لصديقي، فبالإضافة إلى ساعات العمل المحدودة وتذاكر السفر له وللعائلة وثلاثة من الأطفال واثنين من أطفال الجيران! والتأمين الصحي الدولي في أي مستشفى حول العالم والبدلات، كان الراتب الأساسي يكفي لشراء سيارة يابانية صغيرة شهرياً، ناهيك عن السكن المؤثث والبدل في حال تم إرساله إلى إفريقيا للعمل في أحد مقرات الشركة الكثيرة هناك ...
بعد أن استقال صاحبنا وأرسل بذلك إلى الشركة توجه إلى السفارة الفرنسية لاستخراج التأشيرة، أرسلت إليه الشركة تعلمه أنها سترسل له التأشيرة، إلا أن العرض لا يشمل رسوم التأشيرة (ذلك واضح في العقد)، لذلك طلبت منه إرسال مبلغ بسيط إلى وزارة (شيء ما) .... هنا وفقط هنا، أي عندما يقترب شيء من جيوبنا، دق ناقوس الخطر في ذهن صاحبي الذي دخل إلى موقع الشركة الرسمي ففوجئ برسالة منبثقة تحذيرية من وجود عمليات احتيال وتعيين وهمية باسم الشركة!
وعندما قمنا (وهنا تدخلت في المسألة مرة أخرى) بعملية تتبع لمصدر البريد (الرسمي) وجدنا بأنه قادم من الرقم الشهير 69 والذي يقول الموقع (GeoBytes) المختص بمتابعة مواقع الآي بي بأنه من نيجيريا!
ربما عندما نسمع بنيجيريا والاحتيال النيجري تصبح القصة معروفة وكثيرة التكرار، لكنني أرى تطوراً ملموساً في عمل "الأخوة" في نيجيريا، فلقد تركوا استخدام العبارات التقليدية على غرار: أنا زهوة الابنة الوحيدة لياسر عرفات ولقد وقع اختياري عليك لتحويل مبلغ خمسة مليارات دولار ... وغيرها من العبارات التي تأتي غالبا من أصدقاء أو سكرتارية أو مرافقين لأورتيجا و صدام حسين وزعيم قبائل التوتسي وآخر القياصرة، بل أن بعضهم يبالغون فقد وصلني قبل فترة بريد من ابنة (مارلين مونرو) غير الشرعية - هل هو كندي، ربما؟ - تطلب المساعدة لتحويل أموالها لأنها ترغب - وبشدة - ببناء برج في دبي مارينا ... وأنا لا ألومها إطلاقاً فهي جميلة جداً - المارينا مول لا مارلين مونرو- .... ولا أعلم هل تكرار هذه الرسائل دليل على نجاحهم بين فترة وأخرى ووجود من يسقط في هذا الشرك الساذج؟ أم أنها محاولة لتزجيه الوقت في مقاهي الإنترنت في لاجوس؟ لا أدري، لكن الملفت للنظر أن حادثة صديقي تدل على استخدام أساليب أكثر إقناعاً وخطورة بإلقاء الكرة غالباً في ملعب الضحية، ويمكن تعداد أكثر من نقطة في تغيير الأسلوب:
1- أنت الذي ستقودهم إليك أولاً عن طريق التقديم في أحد البوابات، وهي أكثر من أن تحصى وفي أكثر من مجال، وأستطيع القول هنا أن بوابات الأسهم والعقار ستكون وجهة يسيل لها لعاب القوم إن لم يكونوا قد بدؤوا بدراستها فعلاً، وأنا هنا أؤكد على حقي في نسبة الفكرة!
2- عدم تأكد مالكي البوابات أو القائمين على قواعد البيانات فيها من طلبات شراء المعلومات منها، وربما أبهرهم أو رغبوا في إبهار غيرهم عندما يأتي أحد مشتريي قواعد البيانات ويدّعي أنه يمثل شركة كبرى وأنه يرغب بالحصول على بيانات معينة، مما يشكل بالطبع نقطة تحتسب للموقع. صحيح أن المستخدم باشتراكه أو إعطائه المعلومة في مثل هذه الخدمات يعطي الحق للموقع أو البوابة بمنح هذه المعلومات لمن يرغب بخدماته، ولكن واجب التأكد من الجهة واستخدامها للمعلومات لا يمكن أن يتحمل المستخدم تبعاته.
3- طبيعة عقد العمل الذي اطلعت عليه ينم عن احتراف شديد وأنه تمت صياغته بعد الإطلاع على عقود حقيقية لأكثر من مؤسسة وأكاد أقسم على وجود محام قضى أكثر من نصف عمره يصيغ الجمل الخاصة بعقد العمل، ما يعني أن للقوم مؤسساتهم البحثية أيضاً. فمثلاً تم اختيار توتال بعناية فهي شركة فرنسية ذات نشاط كبير في إفريقيا، وهي أيضاً شركة كبرى تحتاج إلى موظفين في كل التخصصات وهكذا تكبر شبكة الضحايا.
وحسناً فعلت شركة توتال بسرعة التصرف بوضع التحذير على موقع الشركة الرسمي، ولكن ماذا عن الشركات التي لا تبالي بما يحاك طالما أنه لا يسبب إزعاجا مباشراً لها ... ثم وهو السؤال الأهم من هي الجهة التي ستقوم بتعويض الضحايا إن وجدوا : هل هي السلطة في بلد النصب أم المنصوب عليه؟ وإذا أراد الشكوى فأين يكون ذلك؟ في قسم الجرائم الإلكترونية؟ أم في قسم الإنتربول؟
والحملات التوعوية في هذ المواضيع هل تقع على كاهل الصحفيين التقنيين أم المؤسسات التقنية أم مؤسسات المجتمع المدني؟ أم الضحايا أنفسهم؟
وفي حال رغب أحد الأطراف السابقة القيام بحملة توعية فهل ستوجه لمستخدمي الشبكة أم الباحثين عن عمل؟ أم المسجلين في موقع معين؟
سأترك هذه الأسئلة معلقة لأرى ما يمكن فعله مع مدير صديقي وسأحاول إقناعه بأن صاحبنا لم يكن في كامل قواه العقلية، بل كان مسحوراً بسحر أفريقي قديم ....
نيجيري تحديداً!